من الجولان إلى السويداء.. استراتيجية التفكيك الناعم

شكرًا لكم على متابعة من الجولان إلى السويداء.. استراتيجية التفكيك الناعم وللمزيد من التفاصيل

لم يكن القصف الإسرائيلي على مقر هيئة الأركان السورية فى قلب دمشق ولا تلك الصواريخ التي سقطت على مقربة من القصر الجمهوري مجرد تصعيد عسكري عابر بل كانت رسائل استراتيجية متعددة الطبقات موجهة لسوريا وللمنطقة بأسرها مفادها أن إسرائيل باتت تعتبر الأراضي السورية كلها ساحة مفتوحة لتدخلاتها وعملياتها دون حسيب أو رادع..!

اللافت في هذا التصعيد الأخير لم يكن فقط جرأته الجغرافية والسياسية بل التزامن المدروس مع اشتعال الأحداث في محافظة السويداء..تلك المحافظة التي لطالما ظلت على هامش الصراع السوري لكنها الآن تحولت إلى مركز جذب لمشاريع الفوضى الجديدة ؛ وفى مشهد مملوء بالاستفزاز والرمزية ظهر رئيس الأركان الإسرائيلي (إيال زامير) على الأرض السورية المحتلة في الجولان ليطلق تهديداً علنيا يقول فيه (كل سوريا تحت سيادتنا)! كلام لم يطلق من فراغ بل كان جزءًا من منظومة متكاملة تتضمن الغارات الجوية والحرب النفسية والتغذية غير المباشرة للفتن الطائفية والمناطقية.

فبينما كان القصف يهز دمشق كانت السويداء تشتعل بصراع دموي بين مكونين سوريين أصيلين 🙁 مجموعة من أبناء الطائفة الدرزية وبعض العشائر والقبائل العربية) في معركة ظاهرها اجتماعي وحقوقي وباطنها تفكيكي تمهيدي يفتح الباب أمام احتمالات أبعد بكثير من مجرد نزاع محلي..أن رفع بعض أبناء الطائفة الدرزية لعلم إسرائيل ومطالبة الشيخ حكمت الهاجري ( الشخصية الدينية الأبرز للطائفة) بحماية دولية ليست مجرد ردود فعل عاطفية بل مؤشرات خطيرة على مدي التغلغل الإسرائيلي داخل بعض الأوساط واستعداد تل أبيب لاستثمار أي شرخ داخلي لتحويله إلى منصة تدخل مباشر.
 

وتحت الضغط الإسرائيلي المباشر انسحبت القوات الحكومية السورية من مواقعها في السويداء ما فتح المجال أمام اتساع رقعة الاشتباكات وعمق الشعور الشعبي بالتخلي والخذلان خاصة لدي أبناء السويداء الذين شعروا أنهم تركوا لمصيرهم في مواجهة فوضى سلاح منفلت وغياب دولة.؛.وهل كان ذلك الانسحاب خطوة تكتيكية لإعادة الانتشار ؟ أم رضوخا عمليا للابتزاز الإسرائيلي ضمن صفقة غير معلنة لتجنب مواجهة مباشرة ؟!

الاحتمالان واردان لكن النتيجة واحدة: تفريغ الجنوب السوري من هيبة الدولة وتحويله إلى منطقة رخوة قابلة للتدخل والتدويل وربما التقسيم لاحقاً..

ووسط هذا التصعيد أصدرت مصر والسعودية بيانا مشتركا بالتنسيق مع دول عربية أخرى مثل الإمارات والجزائر والعراق والأردن أدانت فيه بشدة العدوان الإسرائيلي على الأراضي السورية ؛البيان أكد على رفض أي انتهاك للسيادة السورية وعبر عن تضامن عربي معلن مع دمشق كما شدد على أن أمن سوريا هو جزء لا يتجزأ من الأمن القومي العربي ..ورغم أهمية هذا الموقف الرمزي إلا أن البيان يبقي دون الترجمة العملية فلا شجب يرهب إسرائيل ولا بيان يردع غارات الطائرات أو يمنع مشاريع التفتيت الناعمة !

وفي هذا الجو المتوتر خرج الرئيس السوري (احمد الشرع) بخطاب أكد فيه أن كل شبر من الأراضي السورية هو خط أحمر واتهم إسرائيل علنا بأنها تقف وراء الفتنة في السويداء وتسعي لتفتيت البلاد من الداخل..لكن السؤال الذي طرحه كثير من السوريين لماذا جاء هذا الخطاب بعد الانسحاب ؟ ولماذا لم تسبق الكلمات أفعال ردع تحفظ للسويداء  أمنها ولمواطنيها كرامتهم ؟ 

الرئيس السوري أرسل رسالة سياسية واضحة لكنه لم يقدم خطة عملية لمحاسبة من تسببوا في الانفلات الأمني والانتهاكات سواء من الميليشيات أو من عناصر الأمن أو حتي من المحسوبين على الدولة..وهنا تكمن المعضلة الحقيقية إذا غابت العدالة فإن الاحتقان لن يزول بل سيتحول إلى أرض خصبة لأي مشروع فوضوي قادم!

وتحت ضغط عربي وتركي دخلت الولايات المتحدة على الخط وسعت إلى (اتفاق وقف إطلاق نار)بين سوريا وإسرائيل تزامن معه هدوء مفاجيء في السويداء وكأن شيئا لم يحدث!
لكن هذا الهدوء المصنوع ليس إلا هدنة مؤقتة لأن جذور الأزمة لم تعالج والمخططات لم تتوقف واللاعبون لم يغادروا الطاولة..!

أن محافظة السويداء كانت تاريخياً نموذجا للتماسك المجتمعي والخصوصية السورية لكن تحويلها إلى ساحة صراع داخلي بتغذية خارجية يمثل أخطر تطور تشهده البلاد منذ سنوات.. فإسرائيل لا تري فى السويداء سوي مدخل لتفكيك الجنوب السوري وزرع أول بذرة لحرب أهلية واسعة تبدء  باسم (الحماية الدولية)وتنتهي بتدويل الملف السوري أو تقسيمه فعليا.

وفى ظل هذه المعمعة لا تكفي البيانات ولا العبارات المنمقة ما يحتاجه العرب اليوم ليس فقط اعلان التضامن بل بناء موقف موحد وفاعل يرتكز على ادوات الضغط السياسي والدبلوماسي والاقتصادي لوقف النزيف السوري قبل أن  يتحول الجنوب إلي نسخه ثانيه من الجنوب اللبناني ولكن هذه المرة بغطاء دولي وأطماع اسرائيلية مفتوحة…؛ إن ما يجري في السويداء ليس حادثا عارضا بل جزء من مشروع إسرائيلي ممتد لإعادة تشكيل جنوب سوريا وتحويله إلى منطقة عازلة لا سيادة فيها للدولة تمهيدا لتصفية ما تبقي من الدولة السورية وفرض الأمر الواقع بقوة الفوضى لكن سوريا رغم الجراح والخذلان مازالت تملك روح المقاومة ولن تكون السويداء هي ذريعة إسرائيل بل قد تتحول إلى نقطة التحول إذا استيقظت الدولة وتكاتف الشعب وأدرك العرب أن تفكيك سوريا يعني تفكيك البقية الباقية من النظام العربي كله..!

كل التضامن مع سوريا.. وكل الشجب للعدو الصهيوني وكل التحذير من نار تحت الرماد قد تشتعل غداً في كل بيت عربي.

المصدر / وكالات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى